الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت، أو تهيأت للولادة.قوله تعالى: {فيومئذ وقعت الواقعة} أي: قامت القيامة {وانشقت السماء} لنزول من فيها من الملائكة {فهي يومئذ واهية} فيه قولان.أحدهما: أن وهْيها: ضعْفُها وتمزُّقْها من الخوف، قاله مقاتل.والثاني: أنه تشققها، قاله الفراء {والملك} يعني: الملائكة، فهو اسم جنس {على أرجائها} أي: على جوانبها.قال الزجاج: ورجاء كل شيء: ناحيته، مقصور.والتثنية: رجوان، والجمع: أرجاء.وأكثر المفسرين على أن المشار إليها السماء.قال الضحاك: إذ انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بها، ومن عليها.وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: على أرجاء الدنيا.قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: فوق رؤوسهم، أي: العرش على رؤوس الحملة، قاله مقاتل.والثاني: فوق الذين على أرجائها، أي: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجائها.والثالث: أنهم فوق أهل القيامة، حكاهما الماوردي {يومئذ} أي: يوم القيامة {ثمانية} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: ثمانية أملاك.وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين، هذا قول الجمهور.والثاني: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل، قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة.والثالث: ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إِلا الله، قاله مقاتل.وقد روى أبو داود في (سننه) من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أُذِن لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أُذُنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام».قوله تعالى: {يومئذ تُعْرضُون} على الله لحسابكم {لا تخفى} عليه.قرأ حمزة، والكسائي: {لا يخفى} بالياء.وقرأ الباقون بالتاء.والمعنى: لا يخفى عليه {منكم خافية} أي: نفس خافية، أو فعْلة خافية.وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال، ومعاذير، وأما الثالثة، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله»، وكان عمر بن الخطاب يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية.{فيقول هاؤم} قال الزجاج: {هاؤم} أمر من الجماعة.بمنزلة هاكم.تقول للواحد: ها يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان.وللثلاثة: هاؤم يا رجال.قال المفسرون: إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته.وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد.قوله تعالى: {إني ظننت} أي: علمت وأيقنت في الدنيا {أني ملاقٍ حسابِيهْ} أي: أبعث، وأحاسب في الآخرة {فهو في عيشة} أي: حالة من العيش {راضية} قال الفراء: أي: فيها الرضى.وقال الزجاج: أي: ذات رضى يرضاها من يعيش فيها.وقال أبو عبيدة: مجازها مجاز مرضية {في جنّةٍ عاليةٍ} أي: عالية المنازل {قطوفها} أي: ثمارها {دانيةٌ} أي: قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف.والقطف: ما يقطف من الثمار.قال البراء بن عازب: يتناول الثمرة وهو نائم.قوله تعالى: {كلوا} أي: يقال لهم: كلوا {واشربوا هنيئا بما أسلفتم} أي: قدّمتم من الأعمال الصالحة {في الأيام الخالية} الماضية، وهي أيام الدنيا.{وأما من أوتي كتابه بشماله} قال مقاتل: نزلت في الأسود بن عبد الأسود، قتله حمزة ببدر، وهو أخو أبي سلمة.وقيل: نزلت في أبي جهل، قوله تعالى: {يا ليتني لم أوت كتابيه} وذلك لما يرى فيه من القبائج {ولم أدر ما حسابيه} لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب، إنما كلُّه عليه.وكان ابن مسعود.وقتادة، ويعقوب، يحذفون الهاء من {كتابيه}، و{حسابيه} في الوصل.قال الزجاج: والوجه أن يوقف على هذه الهاآت، ولا توصل، لأنها أدخلت للوقف.وقد حذفها قوم في الوصل، ولا أُحبُّ مخالفة المصحف، وكذلك قوله تعالى: {وما أدراك ماهيه} [القارعة: 10].قوله تعالى: {يا ليتها} يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا {كانت القاضية} أي القاطعة للحياة، فكأنه تمنّى دوام الموت، وأنه لم يُبْعثْ للحساب {هلك عني سلطانيه} فيه قولان.أحدهما: ضلّت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي.والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد.قوله تعالى: {خذوه} أي: يقول الله تعالى: {خذوه فغلُّوه} أي: اجمعوا يده إلى عنقه {ثم الجحيم صلُّوه} أي: أدخلوه النار.وقال الزجاج: اجعلوه يصْلى النّار {ثم في سِلْسِلةٍ} وهي: حلقٌ منتظمة {ذرْعُها سبعون ذراعا} قال ابن عباس: بذراع الملك.وقال نوفٌ الشامي: كل ذراع سبعون باعا.الباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة.وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعا.وقال مقاتل: ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول.ويقال: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة.قوله تعالى: {فاسلكوه} أي: أدخلوه.قال الفراء: وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها.والمعنى: ثم اسكلوا فيه السلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي.ويقال: الخاتم لا يدخل في يدي، وإنما اليد تدخل في الخاتم، وإنما استجازوا ذلك، لأن معناه معروف.قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} أي: لا يصدِّق بوحدانيته وعظمته {ولا يحُضُّ على طعام المسكين} أي: لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه {فليس له اليوم هاهنا حميم} أي: قريب ينفعه، أي: يشفع له {ولا طعام إلا من غسلين} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس.قال مقاتل: إِذا سال القيح، والدم، بادروا أكله قبل أن تأكله النار.والثاني: شجر يأكله أهل النار، قاله الضحاك، والربيع:والثالث: أنه غُسالةُ أجوافهم، قاله يحيى بن سلام.قال ابن قتيبة: وهو (فِعْلِين) من (غسلت) كأنه غسالة.قوله تعالى: {إلا الخاطئون} يعني: الكافرين.قوله تعالى: {فلا أقسم} {لا} ردٌّ لكلام المشركين، كأنه قيل: ليس الأمر كما يقول المشركون {أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} وقال قوم: {لا} زائدة مؤكدة.والمعنى: أقسم بما ترون، وما لا ترون، فأراد جميع الموجودات.وقيل: الأجسام والأرواح {إنه} يعني: القرآن {لقول رسولٍ كريمٍ} فيه قولان.أحدهما: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الأكثرون.والثاني: جبريل، قاله ابن السائب، ومقاتل.قال ابن قتيبة: لم يرد أنه قول الرسول، وإِنما أراد أنه قول الرسول عن الله تعالى، وفي الرسول ما يدل على ذلك، فاكتفى به من أن يقول عن الله {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} وقرأ ابن كثير {يؤمنون} و{يذكّرون} بالياء فيهما.قال الزجاج: (ما) مؤكدة، وهي لغو في باب الإعراب.والمعنى: قليلا تؤمنون.وقال غيره: أراد نفي إيمانهم أصلا.وقد بيّنّا معنى (الكاهن) في [الطور: 29] قال الزجاج: وقوله تعالى: {تنزيل} مرفوع ب (هو) مضمرة يدل عليها قوله تعالى: {وما هو بقول شاعر} هو تنزيل.قوله تعالى: {ولو تقول علينا} أي: لو تكلّف محمد أن يقول علينا ما لم نقله {لأخذنا منه باليمين} أي: لأخذناه بالقوة والقدرة، قاله الفراء، والمبرد، والزجاج.قال ابن قتيبة: إنما أقام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه.قوله تعالى: {ثم لقطعنا منه الوتين} وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع بطلت القوى: ومات صاحبه.قال أبو عبيدة: الوتين: نياط القلب، وأنشد الشّمّاخ: وقال الزجاج: الوتين: عرق أبيض غليظ كأنه قصبة.قوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} أي: ليس منكم أحد يحجزنا عنه، وإنما قال تعالى: {حاجزين} لأن أحدا يقع على الجمع، كقوله تعالى: {لا نُفرِّق بين أحد من رسله} [البقرة: 285]، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة، والزجاج.ومعنى الكلام: أنه لا يتكلّف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلّف ذلك لعاقبناه، ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه {وإنه} يعني: القرآن {لحسرة على الكافرين} في يوم القيامة.يندمون إذ لم يؤمنوا به {وإِنه لحق اليقين} إضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين، كقوله تعالى: {ولدار الآخرة} [يوسف: 109].وقال الزجاج: المعنى: وإنه لليقين حق اليقين، وقد شرحنا هذا المعنى، وما بعده في [الواقعة: 95، 96]. اهـ.
|